صاحب السعادة يكتب بقلم ( فضيلة الشيخ حسام جبريل )
-----------------------------------------------------
تعصف مشكلات الحياة بالإنسان حينًا بعد حين، لكن يبقى من أشدها
وأعظمها أثرًا على الفرد والمجتمع مشكلة عامة، وهي في أصلها مشاكل متنوعة وهي
"مشكلة البيوت" وعلى رأسها "مشاكل الزوجين" التي ربما تدمر
أفرادًا وبيوتًا ومجتمعًا بل أُمَّة بأسرها. والحقيقة أنه لا وجود
لبيت لا يخلو من مشاكل بين زوجيه؛ لكن الأمر الذي يختلف من بيت لآخر هو أثر هذه
المشاكل. فالواقع يبيِّن أن أغلب مشاكل الزوجين ناتجة عن عدم وعي وفهم أصل
الزواج نفسه؛ فكلا الزوجين الآن يبحث عن حقوقه وواجبات الآخر فقط: فأنت عليك لي كذا
وكذا وكذا، ولك مني كذا، وانتهى الأمر. وكأن الحياة بينهما سوق بين بائع ومشترٍ،
بل وربما ينازع كلٌّ منهما الآخر فيما يقوم، ويتناسى الرجل رجولته، وتتناسى المرأة
أنوثتها، وكأن عيشتهما حَلبة نِزال وصراع، فلا بد من منتصر ومنهزم.
والأمر
ليس كذلك؛ فإن الله تعالى خلق الرجل ليكون رجلًا، وخلق المرأة لتكون امرأة، ولا
يصح أحدهما بدلًا عن الآخر، ولا أن يكون أحدهما غالبًا والآخر مغلوبًا، ولا تكون
العلاقة بينهما لك وعليك، بل إن الله تعالى خلق العلاقة بينهما علاقة تكامل، فما
ينقص أحدهما يجده عند الآخر؛ فيتكاملان، وتنشأ بينهما الألفة والمحبة والعطف؛ وهذا
سبب خلق الله تعالى للأزواج، أفلا نتدبر قوله تعالى: (وَمِنۡ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنۡ
خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجَا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ
بَيۡنَكُم مَّوَدَّةََ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَ ٰلِكَ لَأٓيَـٰتِِ لِّقَوۡمِِيَتَفَكَّرُونَ)
[سورة الروم: ٢١]، وكذلك خلق الله الزواج ليتَّقِ الزوجان اللهَ تعالى في نفسيهما
وفي الآخر. فإذا أتت المشاكل فلا يجب أن يكون سببها حقوقًا أو صراعًا؛ فالحياة
الزوجية أجلُّ من ذلك بكثير، وكذلك عدم نظر الزوجين إلى غير زوجه؛ فإن الله تعالى
خلق الزوجين ليكونا سكنًا لبعضهما، وكذلك لا يجب أن تخرج المشاكل من بينهما، فإذا
كانت بينهما كانت أكثر احتواء وأكثر صلابة لحبهما على مدار الأيام.
وإذا أتت
المشاكل وفي عقل كل واحد منهما جمال هذه الحياة الزوجية التي يجب أن تُعاش، وجمال
هذا البيت الذي سيُخرج أناسًا يُعمِّرون الدنيا بجمال بيتهم الذي تَرَبَّوا فيه؛
فسوف يهون كل شيء من أجل هذا، وتتحول المشكلة إلى محبة وبناء.
لست أكتب
للتنظير ولا لوضع قواعد؛ إنما أكتب بقلبٍ يريد أن يرى بيوت المسلمين قوية متماسك أركانها
وأفرادها؛ لتُخرج هذه البيوت أجيالًا تجعل أمجاد أُمَّتها في السماء كما كانت،
ولنا في بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضوان الله عليهم- المثل
والقدوة. فرسالة للأزواج: قودوا بيوتكم للنعيم فإن الزمام بأيديكم.
ورسالة
لمن لم يتزوج خشية المسؤلية: استعن بالله وتزوج؛ فإنه من أجمل مسؤليات الحياة ومن
نعيمها، ويكفيك أنك لا تعيش لنفسك فقط؛ بل تبذل السعادة لغيرك، فتملأ حياته بك،
وتملأ حياتك به. خلاصة القول: البيوت سفينة في بحر الحياة، فإذا مرت عواصف وأراد كل
فرد فيها النجاة بنفسه هلكت السفينة وهلكوا، وإذا علم كل فرد عمله وأتقنه نجوا
جميعًا بسفينتهم؛ فَلْيَقُد كل منا سفينته بالحكمة ليصل إلى بر الأمان بأهلها في
الدنيا والآخرة، وليكن شعار قادة السفينة: "معًا إلى الجنة".
بارك الله فيك ونفع بك وأجرى الحق على لسانك وقلبك
ردحذف