شؤون المصريين بالخارج بين الواقع و المأمول
في عام 2019 ، تلقت مصر 26 مليار دولار من التحويلات من العامليين بالخارج حيث يعمل حوالي 10 مليون مصري في الخارج، وخاصة فى دول الخليج العربي.
يظهر لنا من خلال هذه الأرقام حجم الأموال التى تجنيها مصر سنويا من
التحويلات الخارجية المباشرة و الغير مباشرة للعاملين بالخارج من العملة الصعبة فى
وقت لم تحظى تلك الفئة من المصريين على مدار عقود كثيرة بالرعاية الكافية بينما نجد دولا أخرى كالهند مثلا تقدم كافة
أوجه الدعم للهنود العاملين بالخارج باعتبارهم مصدرا هاما من مصادر العملة الصعبة
للبلاد.
و نأتى للمصريين بالخارج فنجد أن جميع أوجه الدعم خارج مصر إنما هى قائمة
على جهودهم الذاتية و تعاونهم من أجل وضع حلول لمشاكلهم خارج مصر و ظلت الآمال
تنعقد على الحكومات المصرية المتعاقبة حتى قررت الدولة المصرية تخصيص وزارة للهجرة
و المصريين بالخارج فانفرجت أسارير المصريين بالخارج و ظنوا خيرا و لكن ما أن حلت
كارثة انتشار فيرس كورونا و ما تبعه من أزمات حلت على جميع البلدان التى يعمل بها
المصريين ، اتجهت أنظارهم نحو دور وزارة الهجرة المصرية و ما ستقدمه من سند لهم فى
عودتهم لبلدهم و لكن من خلال تحليل الأحداث و بكل صراحة فشلت وزارة الهجرة المصرية
فى احتواء تلك الأزمة فشلا زريعا و أُطلق العنان لسلطات الدول الراعية التى يقيم
فيها المصريين للتعامل معهم دون تدخل و كانت تلك الدول هى صاحبة الأيادى البيضاء
فى عودة المصريين لمصر متحملة تكاليف السفر و الحجر و كانت تلك الأزمة وصمة فى جبين
الخارجية و الهجرة المصرية فلم يتحركا إلا
بعد أن فاض الكيل بالناس فى الخارج و ظل الاستنزاف لهم لعدة أشهر على اعتبار أن
الفرصة سانحة لتعويض بعض تجار السياحة فى مصر من خلال فرض حجر فى المنشآت السياحية
بتكاليف باهظة .
و الآن و قد تغيرت جميع أوجه الاقتصاد فى دول الخليج التى يعمل بها غالبية
المصريين بالخارج فى ظل أزمة انتشار فيرس كورونا و تبعاته الكبيرة على الاقتصادات
فلقد أوقفت الأسواق الرئيسية
في منطقة الخليج العربي تدفق العمال الأجانب لتوطين الوظائف واستقرار الاقتصاد بعد
انخفاض أسعار النفط والأثر الاقتصادي لأزمة فيروس كورونا حيث نشر عشرات المصريين العاملين في قطر مقطع فيديو
في أواخر مارس لمناشدة السلطات المصرية لمساعدتهم
على العودة إلى ديارهم بعد إنهاء عقودهم من قبل الشركات القطرية و كانت بعض الشركات
في المملكة العربية السعودية قد طلبت من العمال الأجانب تقديم استقالاتهم طواعية في
محاولة للحد من الإنفاق ، كما يستعد آلاف العمال المصريين للعودة من الكويت ، حيث تتصاعد
المشاعر المعادية للمغتربين.
كل هذه الأحداث و ما ترتب عليها من استحالة و صعوبة
العيش للأسر المصرية المغتربة بالخارج فى الاستمرار فى الإقامة فى ظل هذه الظروف و
ظلت المناشدات تتوالى على مواقع السوشيال ميديا فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ففى ظل تلك الأزمة نجد نواب الشعب ينظرون إلى
المصريين بالخارج بنظرة ازدراء بسبب انخفاض التحويلات الخارجية إلى مصر بل أصبح
الإعلام سهما موجها إلى صدور المصريين بالخارج و لا تجد من يدافع عنهم و هذا
بالطبع جعل المصريون بالخارج يشعرون بغُصة فى صدورهم اتجاه مصر فهم لا يستجدون
المعونة من أحد بل يوفرون على الدولة الكثير و الكثير من الموارد التى تستهلكها
كروش الإعلاميين .
المصريون بالخارج ليسوا عبئا على مصر
يمتلك المصريون فى الخارج قوة بشرية و استثمارية
مؤثرة فى الاقتصاد المصري فلابد أن يوفر
لهم كل سبل الدعم و الرعاية و الاهتمام
مثل ما توفره الدول للمستثمرين الأجانب من خدمات لوجيستية و إعفاءات ضريبية
فالأولى هم أبناء مصر فى الخارج و ذلك إنما هو اعترافا بفضلهم و دورهم فى دعم
اقتصاد مصر فالمطلوب هو تعظيم الفائدة بما يُقدم من خدمات حقيقية تشمل جميع أوجه الحياة
فى الداخل و المساندة الدبلوماسية فى الخارج فكل جالية فى الخارج تستمد قوتها من
تكاتف حكوماتها معها فى السر و العلن و هنا يظل الانتماء قائما لمصر بل يترسخ فى
عقول الصغار و الكبار فلا يُشاع أمام أهل تلك البلاد أن مصر و حكوماتها تترك
مواطنيها بلا مساندة و يتم استضعاف
المصريين بحجة عدم وجود من يرعى شؤونهم فالكل يعلم ما يقاسيه كل مغترب من أجل لقمة
العيش و توفير حياة كريمة لأسرته يدفع ثمنها بدمه و سنين عمره ، و مع ذلك تظل مصر و الحديث عنها يملأ جوفه بكل اعتزاز
و فخر .
تعليقات
إرسال تعليق