بقلم فضيلة الشيخ : حسام جبريل
رمضان
من الأمور الواجب معرفتها: أن الإنسان في هذه الدنيا إنما هو مسافر دائمٌ بلا انقطاع أو قرار فيها، ولا مأوى له فيها ولا بقاءهذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ : " كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. [صحيح البخاري رقم(٦٤١٦) كتاب : الرقاق | باب قول النبي : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "]. ولكن الله تعالى بكرمه وفضله لم يترك هذا المسافر وابن السبيل وحيدًا في دروب سفره؛ فجعل سبحانه وتعالى له منهاجًا يسير به كي يَصِل به إلى مقصوده وغايته، وهو القرآن العظيم الذي جعله الله تعالى دستورًا ومنهاجًا للسائرين إليه وجعله تعالى"تِبۡيَـٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءِِ وَهُدََى وَرَحۡمَةََ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ" [سورة النحل: ٨٩]؛ فيجب أن يكون هذا الدستور معك طيلة الطريق لا يفارقك. وكذلك تفضَّل سبحانه على أولـٰئك المسافرين فجعل على طول الطريق محطات يتزود فيها ومنها هذا الرَّحَّالة الراحل؛ وجعل سبحانه وتعالى شهر رمضان من أعظم هذه المحطات التي يتزوَّد منها وبها. واعلم أن زاد هذا السفر -سفر الحياة- ليس كغيره من الزاد؛ إنما هو زاد القُرب من الله، زاد معيَّة الله، زاد الفرار إلى الله، زاد اللَّذة بمناجاة الملك القدير، زاد أمرنا به العظيم فقال: "وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰ" [سورة البقرة: ١٩٧]. وهذا الزاد يتكون من: صيام، وقيام، وتلاوة وترتيل للقرأن الكريم، ومناجاة للمولى الجليل، وإطعام الفقراء والمساكين، وإفطار للصائمين، وبر للأقربين، وغير ذلك من الزاد الوفير، ومع كل هذا الزاد يجب أن يُربط ويُحكم زادك برباط الإخلاص وإخفاء العمل، وإياك وحقيبة الرياء فإنها ممزقة متهالكة لا ينفعها ترقيع؛ فكلما كان زادك واضحًا للناس منكشفًا كلما كان زواله أسرع ولا أثر له، وعلى العكس كلما خفي كلما كان أنفع وأبقى وأشد أثرًا لك في الطريق؛ هذا الزاد يكون عونًا لك مدى الطريق حتى تصل إلى محطة أخرى ورمضان آخر، وهكذا حتى تصل إلى وجهتك. وفوق كل هذا الزاد فإن الله تعالى بمِنَّتِه يجعل مكافآتٍ في هذه المحطة المباركة: بركة في الدنيا، وسعادة فيها، وعتق من النيران، وغفران للذنوب، وكتابة اسمك في سجلات المؤمنين والمتقين والقانتين والمُقَنْطِرين والمحسنين، وغير ذلك الكثير. خلاصة الأمر: إن بيتك الحقيقي هو "الجنة" بيت أبيك "آدم" وداره، ونحن في الدنيا عابري سبيل لا نستقر فيها، والعاقل هو الذي يتزود ليكمل المسير إلى داره وإلا هلك؛ لأنه لم يتزود للطريق، أو انحرف عنه. فاجعل من رمضان محطة انطلاق لعامك القادم، واجعل زاده نافعًا لك بتعهده وحفظه؛ فإن عثرات الطريق كثيرة، وكَبَوات الإنسان مُخِيفَة إن انتهى طريقه على كَبوة منها وزَلَّة .
تعليقات
إرسال تعليق